للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبما أخرج ابن عبد البرِّ ــ وقال عبد الحقِّ: «إسناده صحيحٌ» ــ عن ابن عباس مرفوعًا: «ما من أحد يمرُّ بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلِّم عليه إلا عرفه وردّ عليه» (١).

وأجابوا عن الآيات بتأويلات لا تسمن ولا تغني من جوع.

وإذا رجع الأمر إلى التأويل فتأويل ما يصحُّ من تلك الأحاديث توفيقًا بينها وبين الآيات هو المتعيِّن؛ لأن القرآن متواتر بلفظه الموجود، والأحاديث تحتمل خطأ الراوي، أو روايته بالمعنى ونحو ذلك [٥٥٢]، فأصحّ تلك الأحاديث هو حديث قَلِيب بدر وهو محمول على أنَّ الله تعالى أسمعهم خرقًا للعادة، ويليه حديثُ «وإنه ليسمع قرع نعالهم» وهو محمول على أنَّ المراد الكناية عن قربهم من القبر، أي: بحيث لو كان يَسمَع لسَمِع قرعَ نعالهم، وقد قيل: إنه إنما يسمع حينئذ لأنها تُردُّ روحه في جسده للسؤال, كما جاء في حديث البراء عند أصحاب السنن وصحَّحه أبو عَوانة كما في فتح الباري (٢)، وفيه نظر.

فأما حديث المستدرك فهو من طريق عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة، عن قطن بن وهب، عن عبيد بن عمير، عن أبي هريرة. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، تعقَّبه الذهبيُّ فقال: كذا قال، وأنا أحسبه موضوعًا. وقطن لم يرو له البخاري، وعبد الأعلى لم يُخرجا له.


(١) الاستذكار ٢/ ١٦٥, الأحكام الوسطى ٢/ ١٥٢ - ١٥٣. وتعقبه ابن رجب فقال: «يشير إلى أن رواته كلهم ثقات, وهو كذلك إلّا أنه غريب بل منكر» أهوال القبور ص ١٤١.
(٢) ٣/ ١٥٢. [المؤلف]