بخلق الله تعالى إيَّاه حين ملابسة النار، فالفرق على رأيهم صعب، ولكن يمكن أن يُقال على رأيهم: إنَّ الإذن العامَّ ما كان على وَفْق العادة من كلِّ وجه كخروج الثمرة من أكمامها عند [٥٥٨] حلول وقتها المعتاد، وحمل الأنثى بعد وقوع الذكر عليها في الوقت الذي جرت العادة بأنَّ مثلها تحمل من مثله، ووضعها عند انتهاء مدة الحمل المعتادة، وهذا النوع يُطلق عليه في القرآن بأنَّه يعلمُه الله تعالى، قال تعالى:{وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ}[فصلت: ٤٧].
والخاصُّ ما جرى على خلاف العادة، ولو في وجهٍ. ومن ذلك: الإيمان، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يونس: ٩٩ - ١٠٠] , فإنَّ الإيمان يتضمَّن الإيقان بما يرتاب فيه غالب الناس من الغيب، ويقتضي تكليفَ النفوس ما يشقُّ عليها، ومنعها كثيرًا من شهواتها مع كثرة ما يصدُّ عن الإيمان، فمِنْ هذا الوجه كان الاتِّصاف بالإيمان مما يُسْتَغْرَبُ عادة، ففيه مخالفةٌ مَّا للعادة.
ومن ذلك: الموت, قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[آل عمران: ١٤٥] , وسياق الآيات في القتل في الجهاد؛ فإنَّ الموت هو مفارقة الروح للجسد، والناس لا يدركون الروح ولا يحسُّون بها، فمفارقتها الجسد عقب قطع الرأس ــ مثلًا ــ وإن جرت به العادة, فلا يعلم الناس ما وجه ذلك وما سببه، فَمِنْ ثَمَّ كان الموت مخالفًا للعادة.