وأمَّا على رأي القائلين بأن الله عزَّ وجلَّ أودع في المخلوقات قوىً [٥٥٩] من شأنها التأثير، فهي تؤثر بتلك القوة بدون حاجة إلى أن يخلق الله عزَّ وجلَّ ذلك الأثر عند حدوثه، ولكنه سبحانه إذا شاء أن يمنع من التأثير مَنَع كما مَنَع النار من الإحراق بقوله:{قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الأنبياء: ٦٩]. فالفرق بين الإذن الخاصِّ والعامِّ على طريقة هؤلاء أن يقال: الإذن العامُّ هو ما كان تأثيرًا بمجرد القوَّة المودَعة على ما سمعت، فكون تلك القوة في الأصل مِن خلق الله, وكونه سبحانه لم يمنعها من التأثير مع قدرته على ذلك, إنْ سُمِّيَ إذنًا فهو الإذن العام.
وأما الإذن الخاصُّ فهو بخلاف ذلك، فإما أن يكون بخلقه تعالى الأثر عند حدوثه، وإما أن يكون سبحانه قد نصب موانع تمنع من حدوث الأثر بالقوَّة المودَعة وحدها، ثم يرفع تلك الموانع إذا شاء، فذلك هو الإذن الخاصُّ، والموت والإيمان من الإذن الخاصِّ.
ولا يشكل على رأي المعتزلة؛ لأنه يمكن أن يقال: إنما يعذِّب الله تعالى القاتلَ بقصده القتلَ ومباشرته سببه، وإنما يعذِّب مَنْ لم يؤمن لأنه لم يعمل ما يقدر عليه من الحرص على إصابة الحق وإيثاره على هواه، فلو فعل ذلك لأذِن الله تعالى له بالإيمان حتمًا كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت: ٦٩] وقد مَرَّ تفسيرها.
إذا تقرَّر هذا فاعلم أنَّ كرامات الأولياء وسحر السحرة وتأثير الجن في الإنس بغير الوسوسة كلُّه مما لا يؤثِّر إلا بإذنٍ خاصٍّ من الله تعالى.
أما الكرامات فقد [٥٦٠] قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[الرعد: ٣٨].