للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاحذر أن تعجل فتحكم على مخالفك بأنه معاند بسبب أنك ترى شبهته ضعيفة وترى الحجة التي أقمتها قطعية أو كالقطعية، وعليك أن تتأنَّى وتَتَرَيَّث في الحكم حتى لا يبقى لديك في عناده أدنى تردُّد. وهذا التأني والاحتياط هو الذي منع العلماء من إعلان أن البدع الدينية كفر وشرك، ومَن صرَّح بذلك فعلى سبيل الفرض والتقدير.

قال الشاطبي: «فالمبتدع إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله أن الشريعة لم تَتِمَّ وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحبُّ استدراكها؛ لأنه لو كان معتقدًا لكمالها وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولا استدرك عليها، وقائل هذا ضالٌّ عن الصراط المستقيم.

قال ابن الماجشون: سمعت مالكًا يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا صلَّى الله عليه وآله وسلَّم خان الرسالة؛ لأنَّ الله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣]، فما لم يكن يومئذٍ دينًا فلا يكون اليوم دينًا (١).

والثالث: أن المبتدع معاند للشرع ومُشاقٌّ له؛ لأن الشارع قد عَيَّن لمطالب العبد طرقًا خاصة على وجوه خاصَّة وقَصَرَ الخلقَ عليها بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وأخبر أن الخير فيها وأن الشر في تعدِّيها إلى غير ذلك؛ لأن الله يعلم ونحن لا نعلم، وأنه إنما أرسل الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم [٦١٣] رحمة للعالمين، فالمبتدع رادٌّ لهذا كله؛ فإنه يزعم أن ثَمَّ طرقًا أخر، ليس ما حصره الشارع بمحصور ولا ما عَيَّنه بمتعيِّنٍ، كأن الشارع


(١) رواه ابن حزم في الإحكام، ٦/ ٥٨ من طريق ابن الماجشون، بنحوه.