ونصّ العلماء على تكفير مَنْ كذَّب بآيات الله بقولٍ أو فعلٍ ولو كان على وجه [٦٢٨] الهَزْل واللَّعِب. ومما يشهد لذلك قوله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}[التوبة: ٦٥].
والكذب والتكذيب بالاعتقاد يَصْدُق بما إذا جزم بأن الله تعالى يرضى السجودَ للشمس، أوْ لَمْ يفرضْ صلاة الظهر، وما إذا ظن ذلك أو شكّ أو لم يَجْزِم بأن الله لا يرضى السجودَ للشمس، وبأنه فرض صلاة الظهر، هذا بالنسبة إلى ما هو كَذِبٌ قطعًا بأن لم يكن لصاحبه عليه سلطان، وما هو تكذيب قطعًا بأن ثبت قطعًا بأن ذلك الأمر مما جاء به الرسول عن ربه.
فأما ما يُظَن أنه كذب كأن كان لصاحبه دليل مختلَف فيه نرى نحن أنه ليس بحجة وقد قال بعض المجتهدين: إنه حجة، وليس هناك برهان قاطع بأنه حجة أو ليس بحجة, فلا يُعَدُّ القول بموجبه كذبًا على الله. وكذلك ما يُظَن أنه تكذيب كهذا المثال، فإن القائل بأن ذلك الدليل حجة يرى أن مخالفه مكذِّب، فلا يُعَدُّ هذا تكذيبًا بآيات الله. فأما الدلائل الظنية المستندة إلى الأصول القطعية كخبر الواحد المستجمع لشرائط القبول فَرَدُّه مع قيام الحجة على استجماعه لها تكذيب لآيات الله تعالى.
فإن قلت: أرأيت اليهوديَّ مثلًا إذا دُعِي إلى الإسلام فبحث ونظر وتدبَّر وتفكّر طالبًا للحق حريصًا على إصابته ولكنه لم يُوَفَّقْ للعلم اليقيني بأن الإسلام حقٌّ [٦٢٩] بل قامت لديه شبهة يَعْتَقِد أنها يقينية أن البقاء علي اليهوديّة حقٌّ، فإذا أسلم كان في اعتقاده كاذبًا على الله عزَّ وجلَّ مكذِّبًا بآياته، فماذا حكمه؟