قلت: قد أجاب القرآن عن هذا بقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: ٦٨ - ٦٩].
وحاصل الجواب: أن مَنْ بحث ونظر وتدبَّر وتفكّر طالبًا للحق حريصًا على إصابته فهو مجاهد في الله، فلا بدَّ أن يهديه الله عزَّ وجلَّ لمعرفة الحق. وقد أشكل هذا السؤال على الأئمة قديمًا، وهذا جوابه في القرآن كما ترى.
فإن قلت: فقد اختلف أكابر الصحابة وأئمة التابعين في فروع الفقه، وقد قدَّمت أن من أقوالهم ما هو خطأ في نفسه وأنه لولا العذر لكان بدعة، وكان صاحبُه مبتدعًا، وأن البدعة شرك، بل قد وقع من بعضهم ما هو أصرح من هذا مما لولا العذر لكان كفرًا كما سيأتي، مع أنَّ أولئك الأكابر كانوا يبحثون وينظرون حريصين على إصابة الحق, أي أنهم قد جاهدوا في الله على وفق ما حَمَلْتَ عليه الآية.
[٦٣٠] قلت: فهذا يدلُّ أنه ليس المراد بهداية السبيل الهدايةَ إلى عين الحق في نفس الأمر، بل الهدايةَ إلى ما يرضي الله عزَّ وجلَّ عن المجتهد ويستحق عليه الأجر، إما أجرين وذلك إذا أصاب الحق في نفس الأمر أو أجرًا واحدًا وذلك إذا أخطأ مع عدم تقصيره, كما جاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو قالا: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»(١).
(١) البخاريّ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنَّة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، ٩/ ١٠٨، ح ٧٣٥٢. ومسلم، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، ٥/ ١٣١ - ١٣٢، ح ١٧١٦. [المؤلف]