أو يُقال: إن زيادة «إن صدق» دفع لما قد يتوهم أن المعنى: قد أفلح الرجل على كلِّ حال حتى على فرض أنه يُقَصِّر بعد ذلك في أداء الفرائض.
وأما ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه من قوله:«وأبيك ما ليلك بليل سارقٍ»، فواضحٌ أنه من هذا الضرب؛ لأن قيام الليل دائمًا يدلُّ دلالة قويَّة أن صاحبه ليس بسارقٍ.
وأما قول النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم:«وأبيك لتنبَّأنَّه»، فأصل الحديث:«عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: يا رسول الله، أيُّ الصدقة أعظم أجرًا؟ فقال: أما وأبيك لتنبَّأنَّه: أن تَصدَّقَ وأنت صحيحٌ شحيحٌ .... »(١).
السائل يعلم أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عالم بما سأله عنه، وأنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم سينبئه بذلك، وكأنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم رأى من هيئة الرجل وكلامه ما يظهر منه أنه كالمتردد: أينبئه النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بما سأل عنه أم لا، فكأنه قال له: لم هذا التردد مع علمك بأنك إنما تسأل رسول الله، وأنه عالم بما تسأله عنه، وأنه لا يقصِّر في تعليم الناس ما يحتاجون إليه في دينهم، والله أعلم.
وقد علمت من تفسيرنا للحديثين والأثر عن أبي بكر أننا نرى أن لفظ الأب [٧١٨] مقحم فيها كما هو مقحم في الأبيات المارَّة، وكأنَّ الباعث على الإقحام أنَّ واو القسم لا تدخل على الضمير فتوصل إليه بإقحام لفظ الأب،
(١) صحيح مسلمٍ، كتاب الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، ٣/ ٩٣ - ٩٤، ح ١٠٣٢ (٩٣). [المؤلف]