للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال ابن جني: «أما إذا دلَّ الدليل فإنه لا يجب إيجاد النظير ... » (١).

أوَ لا ترى إلى صيغة (أَفْعِلْ بِه) في التعجب، نحو قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ} [مريم: ٢٨]، كيف وَجَّهوها بأنَّ: {أَسْمِعْ} فعل ماضٍ، أصله: أَسْمَعَ كأكرم، ومعناه: صار ذا سمع، فأصله في الآية: أسمَعُوا أي صاروا ذوي سمع، [٧٢٠] ثم حُوِّل إلى موازنة صيغة الأمر مع بقائه على الماضوية، ثم زيدت الباء وجوبًا، فوجب تغيير الفاعل من صورة ضمير الرفع، وهو الواو هنا، إلى صورة ضمير الجر. ولو تَطَلَّبْتَ في اللغة فعلًا ماضيًا صورته صورة الأمر لما وجدتَّه إلَّا ما ادَّعوه في هذا الموضع، فلم يمنعهم عَدَمُ النظير من توجيه اللفظ على ما سمعت لمَّا كان المعنى يقتضي ذلك، فكذلك نقول نحن. ومع هذا فقد وجدنا النظير، ولله الحمد، وهو قول الله تبارك وتعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: ١]؛ فقد قال جماعة: إن كلمة (اسم) مقحمة، وإن المعنى: سبِّح ربك الأعلى، والأحاديث عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم تدلُّ على ذلك، انظرها في روح المعاني وتفسير ابن جرير، وأنشدوا للبيدٍ (٢):

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومَن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذر

فأما حديث أبي داود وغيره عن الفُجَيع (٣)، وفيه: أنَّ النبيَّ صلَّى الله


(١) الخصائص ١/ ٢٠٣. [المؤلف]
(٢) انظر: شرح ديوان لبيد ص ٢١٤، وخزانة الأدب ٤/ ٣٣٧.
(٣) الفُجَيع بن عبد الله بن جُنْدُع بن البكاء ــ واسمه ربيعة ــ البكائي، له صحبة، سكن الكوفة. انظر: الإصابة ٨/ ٥٢٠.