قلت: قد خالفه أستاذه البخاريّ بذكره حديث عمر محتجًّا به على أنَّ من قال لأخيه: يا كافر متأوِّلًا أو جاهلًا لا يكفر بعد جزمه أن مَنْ قال ذلك غير متأوِّل ولا جاهل يكفر، وقد تقدم بيان ذلك، وعُلم بذلك الجوابُ عن احتجاج الترمذي بحديث عمر, وحاصله: أنَّ عمر كان معذورًا، ولا يلزم من عدم إكفار المعذور عدمُ إكفار مَنْ لا عذر له.
وأما احتجاج الترمذيّ بحديث:«مَن قال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله» فعجيبٌ؛ فإنه لا حجَّة له فيه، والحلف باللات والعزى كفرٌ جزمًا، إلا إن كان الحالف جاهلًا أو ذاهلًا فيعذر، كما أشار إليه البخاري وصرَّح به ابن العربي، وقد مرَّ.
وهذا الحديث نفسه حجة في ذلك؛ فإن أمره بقول:(لا إله إلا الله) ظاهر في أنَّ الحلف باللات والعزى ينقض الشهادة الأولى، ونقض الشهادة الأولى هو الكفر والشرك، ويلزم من انتقاض الأولى انتقاض الثانية، أعني شهادة أنَّ محمدًا رسول الله.
غاية الأمر أنَّ الحالف إذا كان جاهلًا أو ذاهلًا لم تنتقض شهادته الأولى حقيقة، ولكن حصل فيها خللٌ مَّا ينقضها صورةً، فشُرِعَ جبرانه بقول:(لا إله إلا الله) تجديدًا للشهادة الأولى، ولم يشرع تجديد الشهادة الثانية؛ لأنه [٧٣٤] لم ينقضها صورة, ولم تنتقض الشهادة الأولى حقيقة فيلزمَ من ذلك انتقاضُ الشهادة الثانية، فتدَبَّرْ.
فإن قلت: ما نَسَبْتَه إلى البخاريِّ يردُّه قوله في ترجمة أخرى: «باب مَنْ حلف على مِلَّةٍ سوى مِلَّة الإسلام، وقال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: