للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«مَن حلف باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله» ولم ينسبه إلى الكفر» (١).

قلت: مراد البخاري والله أعلم أنَّ من حلف بملَّة سوى الإسلام جاهلًا أو ذاهلًا لا يكفر، بدليل حديث: «مَن حلف باللات والعزى» إلخ، فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قاله عالمًا أنَّ أحدًا من أصحابه لا يحلف باللات والعزى إلَّا ذاهلًا، فأمر مَنْ وقع منه ذلك أن يقول: «لا إله إلَّا الله» ولم ينسبه إلى الكفر، فدلَّ هذا على أنَّ مَن حلف بملَّة سوى الإسلام على نحو تلك الصفة، أي: جاهلًا أو ذاهلًا، لا يكفر.

وهذا من البخاري رحمه الله بيان للحديث الذي ساقه في هذه الترجمة، وهو قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن حلف بغير ملَّة الإسلام فهو كما قال»، أي: إنه محمولٌ على مَن حلف غير جاهلٍ ولا ذاهلٍ. هكذا يجب أن يُفْهَم كلام البخاري رحمه الله تعالى ليوافق صنيعه المتقدم؛ إذ كيف يُظَنُّ به أن يرى أنَّ حَلِف الإنسان بأبيه غير جاهلٍ ولا ذاهلٍ كُفْرٌ، ومع ذلك يرى أن حلفه باللات والعزى ليس بكفر مطلقًا.

وإخراج الذاهل قد جاء في رواية لمسلم بلفظ: «مَن حلف بملة سوى ملة الإسلام كاذبًا متعمِّدًا فهو كما قال» (٢). وكذا في صحيح البخاريِّ بلفظ: «مَن حلف بملة غير الإسلام كاذبًا متعمِّدًا فهو كما قال» (٣).

فإن قلت: فهلَّا إذْ أراد البخاري الإشارة إلى استثناء الجاهل والذاهل كما زعمت أشار إلى هذه الرواية فإنها أصرح في ذلك؟


(١) البخاريّ ٨/ ١٣٣. [المؤلف]
(٢) مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الإنسان نفسه، ١/ ٧٣، ح ١١٠. [المؤلف]
(٣) البخاريّ، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قاتل النفس، ٢/ ٩٦، ح ١٣٦٣. [المؤلف]