دلَّ على مخالفته دليلٌ منهما، فإن كان موجودًا من أول الإسلام فهو حرام أو مكروه ولا يُسمَّى بدعة ولا محدثة، وإن لم يكن موجودًا من أول الإسلام بل حدثَ بعد ذلك فهو محدثة بدعة.
وليس المراد بقوله:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} أن يكون كل شيء بنص خاص، وإنما المراد أنه ما من شيء إلّا وحكم الله فيه مبيَّن في كتابه، إن لم يكن بالمطابقة فبالتضمن أو الالتزام أو المفهوم. ثم ذكر المؤلف أمثلة لذلك في المأمورات والمباحات والوسائل. وتكلم على معنى حديث «الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات»، فإن ظاهره إثبات الواسطة. وردّ عليه بأن المشتبهات ما تعارضت فيه دليلا الحل والحرمة، فإنه عند من لم يظهر له الترجيح ــ وهم كثير من الناس ــ مشتبه، فأرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يُعمل فيه ما يقتضي الاحتياط، مع أنه في نفس الأمر إما حلال وإما حرام. فالحديث دليل على عدم الواسطة عند التأمل.
ثم إن الأشياء الحادثة بعد عصر النبوة نوعان:
الأول: ما كان فيما يتعلق بمصالح الدنيا مما لا يضر بالدين، فهذا جائز لدخوله تحت عمومات الإباحة، فليس بدعة في الشرع ولا محدثة، لموافقته للشرع.
الثاني: ما كان فيما يتعلق بالأمور الدينية خاصةً، فهذا على قسمين: وسائل ومقاصد. فأما الوسائل فإنه يجوز العمل بما أُحدِث منها بشرط تعذُّر أو تعسُّر الوفاء بمقصدها الديني بوسيلته التي كان العمل عليها في عهده - صلى الله عليه وسلم -. ومن هذا إجماع الصحابة على جمع القرآن في مصحف واحد. وأما المقاصد فالمحدث منه كلُّه بدعة ضلالة، وليس منه صلاة التراويح كما يظن