فأنتم ترون هذه المسألة التي كل أحدٍ مضطرٌّ إلى معرفتها كيفَ تشعَّبتْ واستصعبتْ، حتى لو تصدَّى عارفٌ لبسط النظر فيها وشرح الأدلة لتحصَّل من ذلك مؤلَّف مستقل.
* قال المقلِّدون: إذا قُرِّر هذا، فما قولكم أيها المانعون في جواب المجتهد للسائل القاصر؟ هل يجب على المجتهد أن يجيب القاصرَ بجواب يُحصِّل له المعرفةَ التي حصَلتْ للمجتهد نفسه، حتى يتلو عليه القرآن من أوله إلى آخره، ويفسِّر له كلَّ آيةٍ أمكنَ أن تكون فيها أدنى دلالةٍ، ويسردُ له أحاديث السنة ويشرح له كلَّ ما أمكن أن يكون فيه أدنى دلالة، ويذكر له من كتب اللسان على نحو ما ذُكِر ... إلخ، أو لا يجب عليه ذلك؟ لا شكَّ أنكم لا تكلِّفون المجتهدَ ولا السائلَ هذه الشُّقَّةَ البعيدة التي أيسرُ منها تكليف القاصر أن يتعلَّم [ص ١٤٦] حتى يبلغ درجة الاجتهاد.
وإن قلتم: إنه لا يجب عليه إلَّا أن يتلو عليه إحدى الآيتين إن ترجَّح له مدلولُها، أو أحد الأحاديث إن ترجَّح له مدلوله، ويُفسِّر له معناه، فيكون السائل عاملًا بالآية أو بالحديث.
فنقول لكم: وهل يكفي في العمل بالكتاب والسنة هذا القدرُ؟ حتى لو عمدَ مجتهدٌ إلى آية أو حديث، فعمِلَ به بدون نظرٍ إلى ما يُوافقه أو ما يخالفه كفاه، ولو عمدَ قاصر إلى آيةٍ في كتاب الله تعالى فهمَ معناها أو حديثٍ كذلك جاز له أن يعمل به، بدون معرفة هل هو منسوخ أو لا، مخصَّصٌ أو لا، مقيَّدٌ أو لا، مؤوَّلٌ أو لا، والحديث حجةٌ أو لا ... إلخ، لا شك أنكم لا تجيزون ذلك، فنسألكم: ما هو الفرق بين الأمرين: العمل بعد سؤال