وعليه فتلامذة الأئمة لا يخرجون عن هذين القسمين، وكذا تلامذتهم. ومن راجع كتب الأصول عرف أن كثيرًا من العلماء الذين يظنّ الناس أنهم كانوا مقلِّدين قائلون بمنع التقليد وذمِّه، وإذا منعوه وذمُّوه علمنا أنهم لم يكونوا عاملين به، وإنما كانوا يتظاهرون بالتقليد [ص ٤٦] حذرًا على أنفسهم من مثلِ ما عُومِل به ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما. ومع ذلك فكانوا يبلِّغون حجةَ الله تعالى بالإشارة والإيماء، كما يقول بعضهم:"والمختار من حيث الدليل كذا" أو "وظاهر هذه الآية أو هذا الحديث كذا"، أو يقول:"هذا مذهبنا، ومذهبُ فلانٍ (يذكر إمامًا آخر) كذا، مستدلًّا بكذا"، ويذكر الآية أو الحديث.
وقد يُصرِّحون بالحقّ إذا ألَّفوا أو درسوا في أصول الفقه، حيث يذكرون شروط الاجتهاد، ويصرِّحون أن من جمعَها فهو مجتهدٌ، فرضُه الاجتهاد. ويذكرون ممن منع التقليد مطلقًا من العلماء، ويُردِّدون في مؤلفاتهم قولَ إمامهم إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي، وغير ذلك مما يعرفه مَن طالع مؤلفاتهم. وإذا استفتاهم الناسُ عن مذهب إمامهم نقلوا لهم قوله نقْلَ الراوي المخبر فقط. وهؤلاء على هُدًى وصراطٍ مستقيم.
وأما القسم الثالث: المقلدون الذين استخبرتمونا أهم أعلمُ أم مجتهدو هذا العصر؟ [ص ٤٧] فنقول: أهل هذا القسم فِرَقٌ:
الأولى: المشتغلون بعلوم اللسان وتأليفها وتصنيفها، ولم يُحصِّلوا غيرَها.
الثانية: المشتغلون بنقل أقوال أحد الأئمة والتخريج عليها، وجَمْع