الثالثة: المشتغلون بالكلام والجدل والمنطق والفلسفة والتأليف فيها، ولم يحصِّلوا غير ذلك.
الرابعة: المشتغلون بالتصوف والعبادة والسياحة والتخلِّي عن الناس، ولم يُحصِّلوا غيرَ ذلك.
الخامسة: المشتغلون بعلوم الاجتهاد، ولكن لم يبلغوا رتبة الاجتهاد.
وهذه الفِرق كلُّها وإن كانوا أو بعضُهم أعلمَ من مجتهدي هذا العصر بالنسبة إلى بعض العلوم، فهم بالنسبة إلى الأحكام الشرعية من العامة لا من العلماء، وإن طار صيتُهم وعظمتْ سُمعتُهم.
الفرقة السادسة (١): أناسٌ تدلُّ مؤلفاتهم على أنهم أحرزوا علوم الاجتهاد وبرَّزوا فيها، وتدلُّ مؤلفاتهم على تعصُّبٍ شديد للمذهب المنتسبين إليه، بحيث يُقطَع بعدم دخولهم في القسم الثاني. فهؤلاء إذا كان فيهم مَن هو أعلم من مجتهدي هذا العصر فهو لم ينتفع بعلمه، بل يَصدُق عليه من بعض الوجوه قوله تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}. ومع هذا فإننا لا نقول في شخصٍ معين: إنه كذلك، بل نتخلَّص من ذلك بأن نرجِّح شهادةَ مؤلفاتِه على تعصبه الذي يدلُّ على قصورِه، لاعتضادها بظاهرِ اعترافه بأنه قاصر.