للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقال: سَنَّ فلانٌ سنةً في بطن الوادي، أي: طرقَ طريقةً. ثم تُستعمل في الطريقة المعنوية، يقال: سنَّ فلان سنةً، أي: عمل عملًا يتبعه فيه الناس. ومنه حديث الصحيحين (١) عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تُقتَلُ نفسٌ ظلمًا إلّا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ من دمها، لأنه أوّلُ من سَنَّ القتلَ".

فمعنى "من سَنَّ في الإسلام سنةً حسنةً": مَن عمِلَ في الإسلام عملًا حسنًا يتبعه فيه الناس، وسبب الحديث صريح في هذا، ولفظه في "صحيح مسلم" (٢) عن جرير قال: كنّا في صَدْر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءه قومٌ عُراةٌ مُجتابِي النِّمار ... الحديثَ، فذكر هيئةَ القوم الدالة على شدةِ فاقتهم، وتكدُّرَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك، وقيامَه في الناس خطيبًا يحثُّهم على الصدقة، ثم قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّةٍ كادتْ كفُّه تَعجِزُ عنها، بل قد عَجَزَتْ، ثم تتابعَ الناس، حتى رأيتُ لونَيْنِ (٣) من طعام وثياب، حتى رأيتُ وجهَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتهلَّلُ كأنَّه مُذْهَبةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من سَنَّ في الإسلام سنّةً حسنةً ... " إلخ.

وظاهرٌ أنه صلى الله عليه وآله وسلم يشير إلى ذلك الأنصاري الذي جاء بالصُّرَّة، فتتابع الناس لما رأوه. ولا شبهةَ أن مجيئه بالصُّرة من أوفق الأعمال


(١) البخاري (٣٣٣٥) ومسلم (١٦٧٧).
(٢) رقم (١٠١٧).
(٣) كذا في الأصل. وفي صحيح مسلم: "كَوْمينِ"، والكومة: الصُّبرة، والكوم: العظيم من كل شيء.