للكتاب والسنة، فكيف يُستدلُّ بهذا الحديث على أن البدعة قد تكون حسنة؟
فإن قيل: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
قلنا: واللفظ أيضًا لا يعمُّ البدعةَ، لأنه مقيَّدٌ بالحسن، والحسن إنما يعرف بالشرع، ومَن قال: يعرف بالعقل فهو معترف أن العقل ليس بحاكم بعد ورود الشرع، بل الحاكم الشرع فقط، ومع ذلك فالشرع قد استوفى جميع المحاسن والمصالح، إمّا بخصوصٍ وإما بعمومٍ. قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة: ٣]، وغيرها من البراهين التي قد ذكرنا بعضها في هذه الرسالة. وكيف يكون شيء من البدعة حسنًا والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:"كل بدعة ضلالة"؟
وأما ما أوردوه من صلاة التراويح وجمع القرآن وعلوم العربية وغير ذلك، فهذا من السُّنَّة لموافقته لأدلة الكتاب والسنة، مع ظهور السبب في عدم وجوده في القرن الأول، وحدوثِ السبب المقتضي لفعله، كما مرَّ بيانه، والله الموفِّق.
وقد علمتَ مما سبقَ أن الحَسَنَ هو ما وافق الشرع مطلقًا، وهو من السنة وإن لم يكن موجودًا في العهد النبوي، وأن السيء هو ما خالف الشرع، فإن كان مطروقًا من أول الإسلام فهو كفرٌ أو حرام أو مكروه بحسب ما قام عليه الدليل، وإن لم يكن مطروقًا من أول الإسلام فهو محدَثةٌ بدعةُ ضلالةٍ. والموافق إذا كان غيرَ موجود، أو كان ثُمَّ هُجِر، فالذي يطرقه أولًا يَصدُقُ عليه أنه سنَّ سنةً حسنةً، فله أجرُها وأجرُ من عَمِل بها من بعده بشرطه. كما أن المخالف إذا لم يكن موجودًا في العهد النبوي، أو وُجِد ثمّ هُجِر، فأولُ من يطرقه يصدُق عليه أنه سنَّ سنةً سيئةً، فعليه وِزرُها ووِزْرُ مَن عمِلَ بها من بعده بشرطه.