سعد وأحمد عن معاذ قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ » قال: فقلت: لا.
وهذا يدل على أنهم كانوا يعلمون وضوح الفرق بينه صلى الله عليه وآله وسلم حاضرًا وبين قبره، ويعلمون الخَطَر في تعظيم القبور. وقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتخاذ المساجد على القبور من عبادة الأوثان فيما روي عنه من قوله:«اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعْبَد. اشتدّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»(١).
وقد تقدم بيان عِلّته زيادةً على علة النهي عن مطلق البناء، وذلك خشية الصلاة إلى القبر، فكيف بمن صلى إلى القبر؟ فكيف بمن أقبل على القبر يشمّه ويضمّه ويستلمه ويلثمه ويضع عينيه عليه حال العاشق الوامق، إنّا لله وإنّا إليه راجعون!
ولو نظرتَ حالَ الناس مع كلام الله تعالى الموجود عند كلّ أحدٍ منهم لرأيتهم عنه معرضين، وعلى عبادة القبور مُقبلين! بل كثيرًا ما ترى الإنسان تاركًا للصلاة والصيام، مرتكبًا للفواحش، جاهلًا بربّه ودينه، وهو مع ذلك مشغوف بهذه القبور [ص ٢٠] يحنّ إليها، ويحنو عليها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والله عزَّ وجلَّ يقول في كتابه العزيز:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}[البقرة: ١٦٥].
(١) بهذا اللفظ أخرجه مالك في «الموطأ» (٤٧٥) من مرسل عطاء بن يسار. وأخرجه بنحوه أحمد (٧٣٥٨)، والحميدي (١٠٢٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بإسناد حسن.