هذه حال أهل الجاهلية، وقد كانوا مع ذلك إذا وقع أحدهم في شدة أعلن التوحيد كما قصّه الله عزَّ وجلَّ في مواضع من كتابه، منها قوله عزَّ وجلَّ:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت: ٦٥].
وأخرج الترمذي (١) عن عمران بن حُصين قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي: «يا حُصين كم تعبد اليومَ إلهًا؟ » قال أبي: سبعة، ستًّا في الأرض وواحدًا في السماء، قال:«فأيهم تعدّ لرغبتك ورهبتك؟ » قال: الذي في السماء ... الحديث.
فهذا حال أهل الجاهلية الذين سمعتَ قوارع الآيات في شأنهم، وعلمتَ بعثة محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم لدعوتهم، وقيامه هو ومَن آمن معه بجهادهم. فأما عامة المسلمين اليوم فإن قبور صالحيهم أحبّ إليهم من مساجدهم، وبذل الأموال الطائلة في عمارتها وفرشها وإيقاد السُّرُج عليها والذبح عندها [تابع ص ٢٠] أيسر عليهم من إخراج الزكاة الواجبة، والمشيُ إلى بعض تلك القبور للتمسّح بها أشرف لديهم من المشي إلى علماء الدين، ودعاؤها والاستغاثة بها أرجى عندهم من إخلاص الدعاء لله وحده لا شريك له. وكلما اشتدّ على أحدهم البلاءُ ازداد ابتهالًا إليها على العكس من حال أهل الجاهلية، فإنّا لله وإنا إليه راجعون.
وقد مرّ بيان الزيارة المشروعة التي قام الدليل على استحبابها ومنع ما
(١) (٣٤٨٣). وأخرجه البزار (٩/ ٥٣)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٢٣٥٥). قال الترمذي: «غريب». وفي نسخة: «حسن غريب».