[ص ٨] والنهيُ حقيقة للتحريم. فظاهره: أنها إن لم تكن نذرت حرم عليها ذلك الفعل، لكن النهي مصروف عن ظاهره، بدليل الإذن لها بالفعل إن كانت نذرته.
وقد عُلم من الأحاديث الصحيحة أنه لا يلزم النذر في معصية الله تعالى، فتبقى الكراهة. فالظاهر ــ والله أعلم ــ أن ذلك الفعل الذي نذَرَتْه مكروه في نفسه، ولكنه جاز للنذر. ويؤيّد هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«إن الشيطان يخاف منك يا عمر» إلخ، إلى أن قال في بيان علة أن الشيطان يخاف من عمر:«فلما دخلتَّ أنتَ ألقت الدفّ». وهذا واضح في أنّ في فعلها ذلك نصيبًا للشيطان. وبهذا يظهر أن قدوم الغائب ونحوه ليس مما يُشْرَع فيه التدفيف إلا أن يُنْذَر. وأنه إن نذر في مثل ذلك شُرع الوفاء به وفاءً بالنذر، وإن كان فيه للشيطان نصيب.
هذا ولا يخفى أن قدوم الغازي سالمًا سبب من أسباب الفرح، فلا يدلّ كون التدفيف في مثله غير معصية على كونه غير معصية مطلقًا. ومع هذا فقدومه صلى الله عليه وآله وسلم من الغزو سالمًا سبب للفرح حدَثَ حينئذٍ، فلا يُقاس عليه نحو المولد والمعراج؛ إذ ليس هذا إلّا مجرد ذكرى كما مرَّ.
ومع هذا فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حال حياته كثيرًا ما تعرض بحضرته الأشياءُ الجِبلِّية، فيعمل فيها ما يقتضيه الحال من الأفعال المباحة في مثل تلك الأحوال. وأما بعد وفاته فإن ذكره متصل بذكر الله تعالى لا ينفكّ عنه، فيجب أن يُراعى عند ذكره ما يُراعى عند ذكر الله تعالى من الأدب والرغبة فيما عند الله تعالى، ومراعاة ما كان يُراعى في عهده