للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعنى، فيتخرّص هو ووليُّه لتكميل المعنى، والغيبُ إنما هو المعنى التامّ لا الكلمة أو الكلمتين التي تتعلّق به من دون وفائها به، كما يُشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم لابن صيّاد: «قد خبَأْتُ لك خبيئًا فما هو؟ » وكان خبأ له قولَه تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: ١٠]، فقال ابن صياد: هو الدُّخ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اخسأ فلن تعدوَ قدرَك» (١). مع أن هذا [إنما] يتعلق بالقسم الثاني [من أقسام العلم بالغيب] (٢). وبهذا لم يصدق على ذلك الجني أنه تلقى عن الملائكة خبرًا من أخبار الغيب.

ولو سلَّمنا جَدَلًا أنه قد يتلقَّى خبرًا تامًّا في النادر لَمَا كان مِنْ عِلْم الغيب، فإن الملائكة ليسوا غيبًا عن الجنّ، فإنهم يرونهم ويسمعون منهم بحسب خِلْقتهم، فلا يكون سماعهم لكلامهم بالغيب إظهارًا على الغيب كما في سماع عامة الملائكة لكلام الرسل منهم، فإن رُسُل الملائكة ليسوا غيبًا بالنسبة إلى الملائكة، وكما في سماع عامة الإنس لكلام رسلهم، فإن رسل الإنس ليسوا غيبًا بالنسبة إلى عامة الإنس، وكما في سماع الجن كلام الإنس، فإن الإنس ليسوا غيبًا بالنسبة إلى الجن [١٩٦] وكما في سماع الإنس لكلام الجن إذا تمثَّلوا بصورهم، وكما في سماع الإنس لكلام الملائكة إذا تمثَّلوا بهم.

ولكن هذا الأخير لا يمكن بواسطته الاطلاع على الغيب [لأن] الملائكة لا تخبر غير الرسل بالغيب إلا بالتمثيل في الرؤيا والتحديث في القلب، بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لم يبق من النبوّة إلا المبشرات» قالوا:


(١) أخرجه البخاري (١٣٥٤)، ومسلم (٢٩٢٤) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(٢) ما بين المعكوفات غير واضح في الأصل فلعله ما أثبت.