من الأكوان، فإذا نام الإنسان أو كان صاحب غَيبةٍ وفناء، أو قوة إدراك لا تحجبه المحسوساتُ في يقظته عن إدراك ما بيد هذا الملك من الصور، فيدرك ما يدركه النائم، لأنّ اللطيفة الإنسانية تنتقل بقواها من حضرة المحسوسات إلى حضرة الخيال المتَّصل بها الذي محلّه مُقدَّم الدماغ، فيفيض عليها ذلك الروح الموكل بالصور من الخيال المنفصل عن الإذن الإلهي ما يشاء الحق أن يريه لهذا النائم أو الغائب ومَنْ ذُكِر معه من المعاني متجسِّدَةً في الصور التي بيد هذا المَلك، فمنها ما يتعلَّق بالله تعالى وما يوصَف به من الأسماء، فيدرك الحق في صورة أو القرآن أو العلم أو الرسول الذي هو على شرعه، فهنا يحدث للرائي ثلاث مراتب:
أحدها: أن تكون [الصورة](١) المدْرَكة راجعة للمرئي بالنظر إلى منزلةٍ ما من منازله وصفاته الراجعة إليه، فتلك رؤيا الأمر على ما هو عليه بما يرجع إليه.
الثانية: أن تكون الصورة المرئية راجعة إلى حال الرائي في نفسه.
الثالثة: أن تكون راجعةً إلى الحقِّ المشروع والناموس الموضوع، أيِّ ناموسٍ كان في تلك البقعة التي ترى تلك الصورة فيها، وفي ولاة أمر ذلك الإقليم القائمين بناموسه. وما ثَمَّ رتبة رابعة.
فالأولى حسنةٌ كاملة لا تتصف بقبح ولا نقص، والأخيرتان قد تظهر الصورة فيهما بحسب الأحوال من حُسْن وقُبْح ونَقْص وكَمَال. فإن كان من تلك [الصورة] خطابٌ فهو بحسب ما يكون الخطاب، وبقَدْر ما يَفْهَم منه في رؤياه، ولا يعوِّل على التعبير في ذلك بعد الرجوع إلى عالم الحس إلا إذا
(١) ما بين المعكوفين هنا وما بعده مستدرك من «الفتوحات» لابن عربي.