وأما حديث التحديث، فليس فيه أن التحديث أمر زائد على الخاطر، وإنما يمتاز المُحَدَّث عن غيره بكثرة الخواطر الحقّة (١) في خواطره، فيكون تفرّسه أكثر صوابًا من غيره.
وأما قوله تعالى:{إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال: ٢٩]، وقوله عز وجل:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق: ٢]، فليس فيهما أن الفرقان والمخرج هو إلهامُ نفسِ الحكم أو الدليل بطريق غيرِ عادية. وعليه فالحقُّ أن الفرقان والمخرج هو في حقِّ المجتهد أن يجعل الله تعالى في قلبه باعثًا على طلب الحق، وييسّر له النظر في الحجج الظاهرة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله بالطريق العادية، ويثبّته تعالى حتى لا يُقصِّر ولا يتَّبع الهوى، بل يؤدّي ما وجب عليه، بحيث يكون مُصيبًا مأجورًا أجرين، أو مخطئًا معذورًا، مأجورًا أجرًا واحدًا.
وفي حقّ العامّي أن يجعل الله تعالى في قلبه [٢١١] باعثًا على طلب الحق، والحرص على استفتاء العلماء في كلِّ ما يعرض له، وييسّر له من يسأله من العلماء بالطريق العادية، ويثبّته تعالى حتى لا يُقصر ولا يتعدّى، بل يؤدي ما يجب عليه.
وإنما لم نقل: إن الفرقان والمخرج هو ما يكون فيه إصابة الصواب في نفس الأمر لأمرين: