للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: أَتْقى خَلْق الله تعالى أنبياؤه، وقد عرفتَ جواز السهو والخطأ عليهم، وتذكيرهم ليس لمجرّد التقوى، وإنما هو لأمر آخر. وهذا يدلّ أنّ اطّراد التقوى لا يستلزم اطراد صِدْق الخواطر، وأما إذا لم تَطَّرِد التقوى فالأمر أبْيَن، ومثل هذا لا يكون حجة، كما في الراوي إذا كذب مرّةً أو مرتين لم تُقبَل روايتُه مطلقًا، على أنه يحتمل أن يكون أكثر حديثه صدقًا. وبنحو هذا يُجاب عن حديث التحديث.

وإن قال مدّعي الحُجّية: عرفتُ أنه إلهام بانشراح صدري له، وانشراح الصدر إنما يكون لِمَا يكون من جهة الله تعالى. قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: ١٢٥].

وقال تعالى في سورة أخرى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} [البقرة: ٢٦٨].

وفي الحديث عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن للشيطان لَمَّة بابن آدم وللمَلَك لَمَّة، فأما لَمَّة الشيطان فإيعاد بالشرّ، وتكذيب بالحقّ، وأما لَمّة المَلَك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومَن وجد الأخرى فليتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم». ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}. رواه الترمذي (١)، وقال: هذا حديث غريب.


(١) (٢٩٨٨). وأخرجه النسائي في «الكبرى» (١٠٩٨٥)، والبزّار (٢٠٢٧)، وأبو يعلى (٤٩٩٩)، وابن حبان (٩٩٧). وفي سنده عطاء بن السائب اختلط بأخرة، والراوي عنه أبو الأحوص روى عنه بعد الاختلاط. انظر «الكواكب النيّرات» (ص ٣١٩ وما بعدها). ورجَّح الأئمة وقفه. «علل الترمذي» (٦٥٤) و «علل ابن أبي حاتم» (٢٢٢٤).