للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَعَم يمكن وجود القسم الثاني فيما لم يوقَفْ فيه على دليل يدلُّ على حُرمته ولا كراهته، فأُخذ به بأصل الإباحة، ولم يظهر في استعماله تبسُّط ولا تضييق إلى الحدّ الذي أرْشَدَنا الشارعُ إلى اجتنابه، ولا ظهرت مصلحة ولا مفسدة، ففي هذا إذا انشرح الصدرُ لعدم الأخذ به= كان ذلك علامة على أنه من الحق.

وذلك أن عدم الوقوف على دليل يدلّ على الحُرمة أو الكراهة لا يستلزم عدم الدليل في نفس الأمر، ولم يظهر من الشرع دليلٌ يرشد إلى العمل بذلك الشيء ولا تَرْكِه، فكان الأخذ به والترك على حدٍّ سواء من الشرع، فلمَّا وقع الخاطرُ بعدم الأخذ، وانشرح له الخاطر= كان ذلك مرجّحًا يجوز الأخْذُ به. وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : «استفت قلبك وإن أفتاك الناس» كما مرَّ (١).

فإن قيل: فلعلّ الخاطر يكون من حديث النفس والشيطان، وانشراح الصدر يكون بوسوسة الشيطان لغرضٍ له في ذلك.

فالجواب: أن الظاهر من انشراح الصدر واطمئنانه كُونُه من جهة الله تعالى ما دام لم يعارِضْه دليلٌ آخر. وإن احتمل ما ذكرتم فهو احتمال مرجوح، وقد أخذ الإنسان بما هو أقرب إلى التقوى في اجتهاده. وهذا هو أقصى ما يمكنه. على أنه إذا استفتى قلبَه بعد التوجُّه إلى الله تعالى وإخلاص الدعاء والاستخارة فلم يَزْدَد إلّا (٢) انشراحًا واطمئنانًا، فذلك كان أظهر، والله أعلم.


(١) (ص ٣٧٢).
(٢) جاءت كلمة في طرف الورقة المتآكلة فذهبت ببعضها، ولعلها ما أثبت.