بقوله:«لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس». وحينئذٍ فقد يخطر للإنسان خاطر يشرح له صدره، فإذا نظر في الكتاب والسنة اشتبه عليه حكمه، وكذا إذا سأل العلماء وأجابوه بما يوقِع في الاشتباه.
فالجواب: أن الشارع قد أرشدنا إلى الأخذ بالاحتياط في هذا، كما يدلّ عليه قوله في هذا الحديث:«فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ... » إلخ، فإن كان الخاطر يميل إلى الاحتياط فقد وُجِد ما يؤيّده من الشرع، وإن كان يميل إلى غيره فقد وجد ما يعارضه، فرجع إلى القسم الأول.
فإن قيل: يمكن وجود القسم الثاني فيما أدّى فيه الاجتهاد أو فتوى المجتهد إلى الإباحة، وانشرح القلبُ لعدم الأخذ بذلك.
فالجواب: أن ذلك المباح إن كان استعماله من التوسُّع والتبسُّط فالشرع قد أرشدنا إلى التخفيف، فانشراح الخاطر بذلك قد وجد من الشرع ما يؤيده، وانشراحه لغيره قد وجد ما يخالفه. وإن كان من غير التبسُّط فالشرع قد أرشدنا إلى العمل به، قال تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف: ٣٢]. وقد مرّ (١) حديث «الصحيحين» في الثلاثة الذين قال أحدهم: أما أنا فأصلّي الليل أبدًا، وقال الآخر: أنا أصوم النهار أبدًا ولا أفطر، وقال الآخر: أنا أعتزل الناس فلا أتزوّج. فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال:«أنتم الذين قلتم كذا وكذا. أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأُفْطِر، وأُصلي وأرقد، وأتزوّج النساء، فمن رَغِب عن سنتي فليس مني».