للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرح بالباطل، إلا أن الفرح بالحق دائمٌ ثابتٌ مستقرٌّ، والفرح بالباطل متزلزل، فلذلك أطلقَ الانشراح ونحوه في جانب الحق، وأطلق الحرج ونحوه في جانب الشرّ، والله أعلم.

وبما تقرّر عرفتَ أنَّ مجرّد الانشراح بالخاطر لا يصلح دليلًا.

وأما قول ابن الصلاح: «ومن علامته أن ينشرح له الصدر ولا يُعارضه معارضٌ آخر» فهو غير بعيد، ومعناه أن صاحب الخاطر يجتهد في أدلّة الشرع الظاهرة، أو يستفتي عالمًا في تلك المسألة التي وقع له فيها الخاطر، فإن لم يقف على معارضٍ لِمَا خَطَر له فيه الخاطر وانشرح له صدرُه، دلّ ذلك على أن ذلك الخاطر من الحق.

وهذا يشتمل على قسمين:

الأول: أن يجد له مؤيدًا من الأدلة الظاهرة. وهذا هو ما نقوله وندعو إليه، وهو أن يُسْتَدلّ على الخاطر بالأدلة الشرعيّة، فما دلّت الأدلّةُ الشرعيةُ الظاهرة على أنه حق كان الظاهر أن الخاطر الموافق لها حقّ، فتُجْعَل الشريعة دليلًا على الخواطر، لا الخواطر دليلًا على الشريعة.

والثاني: أن لا يجد له مؤيدًا ولا معارضًا، وفي إمكان هذا نظر؛ لأنه ما من شيء من الأشياء إلا ويمكن المجتهد معرفة حكمه الشرعيّ بالاجتهاد.

فإن قيل: قد دلّ الحديث الصحيح: «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مُشْتَبِهات» (١) على وجود هذا القسم الذي هو المشتبهات [*ق] (٢) المفسّرة


(١) أخرجه البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
(٢) هذه الورقة من الفلم رقم (٣٥٨٤).