للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حضّ عليه الشيطان ووعد بالغنى كما هو ظاهر، والله أعلم.

ثم إن الوعد إنما هو في جزاء التقوى، فلابدّ من معرفة التقوى بدليلٍ غير الخاطر. ومن ذلك أن يريد الإنسان أن ينفق فَخَطر له في نفسه خوف أن يؤدِّي الإنفاقُ إلى افتقاره، فإن هذا لا يدلّ على تعيين ذلك الخاطر؛ لأن الإنفاق قد يكون في مرضاة الله تعالى، وقد يكون في معصيته، والذي من الشيطان إنما هو فيما إذا كان الإنفاق في مرضاة الله تعالى، وحينئذٍ فلابدّ لمعرفة حكم الإنفاق [١٠] من النظر في الأدلة الظاهرة من الكتاب والسنة، فإن عيّن الدليلُ حكمَ الإنفاق لم يتعيّن الخاطر لاحتمال كونه من حديث النفس. إلا أنه على كلِّ حال ما كان من الخواطر مودّيًا لما يقتضيه حكم الكتاب والسنة فهو خاطرُ حقٍّ، ولكن الشيطان قد يوسوس للإنسان بفعل شيء مما ظاهره خير ليستجريه إلى الوقوع في شرٍّ، كما تراه يزعج كثيرًا من الجهال الفقراء إلى الحجّ، لمعرفته بطريق العادة أنهم يُضيّعون في سفرهم أكثر الصلوات، ويرتكبون غير ذلك من المنهيَّات.

وأما قوله: «وإيعاد بالحق» وقوله: «وتكذيب بالحق» فواضح أن الحقّ لابدّ أن يكون معروفًا بدليل آخر، ولا دليل إلا الكتاب والسنة. وأما حديث البيهقي ــ إن صح ــ فهو تفسير للآية، وقد علمتَ معناها، فقوله: «إن النور إذا دخل الصدر انفسح» أي: انفسح الصدر، أي: للحق، كما بيَّنه جوابه على قولهم: هل لذلك مِنْ علم؟

والحاصل أن النفس قد تفرح وتنشرح وتنفسح للحق وللباطل، ولكن الذي مِن الله سبحانه وتعالى هو ما كان فيه فرحٌ وانشراح وانفساح للحق، والذي من الشيطان هو ما كان فيه غمٌّ وضيق وحَرَج من الحقّ، فالكلام إنما هو في الحق، وإلَّا فمن فرح بالحق اغتمّ من الباطل، ومن اغتمّ من الحق