للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَرَجًا، أي: عن الإسلام لا مطلقًا. والكفّار يفرحون كثيرًا بكفرهم كما فرح المشركون يومَ أُحد بما نالوه من المسلمين، وغير ذلك، قال عز وجل: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: ٨١]، وقال عزَّ وجلَّ: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: ٥٣]، وقال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر: ٤٥]، والمتَّقي قد يفرح بالأمر يوافق هواه ما دام غير معصوم.

أما قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [البقرة: ٢٦٨]، فهذه الآية في الإنفاق كما يبينه السياق، يقول الله تعالى: إن الشيطان يَعِدُكم يا معشر الأغنياء بالفقر لئلَّا تنفقوا في سبيل الله، ويأمركم بالفحشاء من البخل وغيره، والله يَعِدُكم جزاء إنفاقكم في سبيله مغفرةً منه وفضلًا.

وما روي من الحديث (١) ــ إن صح ــ فهو قريب من هذا، فلَمَّة الشيطان إيعاد بالفقر لمريد الصدقة، وبالقتل لمريد الجهاد، ولَمَّة المَلك إيعاد بالجزاء في الدنيا والآخرة.

والحاصل أن الصدقة والجهاد والعبادة وتجنّب المحرّمات لا يكون إلا مع التصديق بوعد الله تعالى بحُسْن الجزاء في الدنيا والآخرة، فالله سبحانه وتعالى يدعو إلى هذا التصديق. وأما الشيطان ــ نعوذ بالله منه ــ فإنه بدعواه إلى التكذيب يَعِدُ بعدم حُسْن الجزاء، فيصوّر الصدقة بصورة مَغْرَم، ونحو ذلك، فإنه تعالى يَعِد المؤمنين بالخيرات إذا اتقوه ليزدادوا تقًى، والشيطان يَعِدهم بالشرور ليقصِّروا في التقوى، فلو كان الإنفاق معصيةً


(١) تقدم نصه (ص ٣٧٩).