وأما التمسُّح بالأضرحة، فقد مرّ في بحث التبرّك ما يُغني عن الإعادة (١)، وقد علمتم أن سلفَ الأمة وعلماءها مجمعون على المنع من ذلك، وأنه من أفعال المشركين. ومرّ هناك أيضًا التبرك بآثار الصالحين والخلاف فيه.
وأما النذر فهو على وجهين: النذر لله تعالى، والنذر للمخلوق.
فالنذر لله تعالى هو: أن يلزم الإنسان نفسه لله تعالى حقًّا في عملٍ من الأعمال كالصلاة والصيام ونحوها، وقد يتعلّق بالمخلوق تَبَعًا، كأن ينذر لله تعالى أن يتصدق على زيد، ويُعرف هذا بالنذر على المخلوق.
والثاني: النذر للمخلوق، بمعنى التقرّب إليه بالنذر.
[ص ٨٨] فالنذر لله تعالى بالصدقة على زيد صحيح، فالنذر لله عبادة، وعلى زيد صدقة. وأنتم تنذرون للصالحين كما ينذر لله تعالى، فيقول أحدهم: هذه الناقة لفلان بِنِيّة سلامة الإبل، وهذا الثور لفلان بِنِيَّة سلامتي أو سلامة ولدي. ويقول: يا بدوي هذا الكبش لك على شفاء ولدي، ونحو ذلك. ثم إذا سُئل أحدكُم عن تلك الناقة أو الثور أو الكبش قال: هذه حق الولي الفلاني، ويسمونها: ناقة فلان، وثور فلان وكبش فلان، ويعتبرونها ملكًا له، حتى إذا رأى أحدهم في منامه شخصًا يتسمّى له باسم ذلك الولي ويقول: أعط الناقة حقي لفلان، أعطاها إياه، كائنًا مَن كان!
ومَن مارس أحوال هؤلاء العوام عَرف أنهم لا يريدون بشيءٍ من ذلك أنه لله تعالى، وإنما ينوون به التقرّب إلى الولي الذي هو في زعمهم على كل