أما قولكم: إنّ نداءكم للصالحين والاستغاثة بهم ليس كدعاء الله تعالى ... إلخ، فنداء الصالح على ضربين:
الأول: أن يكون حاضرًا، وهذا معلوم بالضرورة أن مجرّد ندائه لا حرجَ فيه على كل حال.
والثاني: أن يكون غائبًا أو ميّتًا.
والاستغاثةُ على ضربين:
الأول: الاستغاثة بحيّ حاضرٍ بِطَلبِ ما يقدر عليه المخلوقون عادةً، كقولك للطبيب: أغثني بالدواء، ولصاحب الماء: أغثني بالسقي، وللقويّ: أغثني من هذا العدو، وللصالح: أغثني بالدعاء، فهذا من المعلوم بالضرورة أنه لا حرج فيه.
والثاني: الاستغاثة بالحيّ الحاضر بما لا يقدر عليه المخلوقون عادةً، كقولك له: أطلبُ منكَ المطر. وبالميت أو الغائب بأي شيءٍ كان. فنداء الميت أو الغائب والاستغاثة بهما مطلقًا أو بالحيّ الحاضر فيما لا يقدر عليه المخلوقون عادة= عبادةٌ.
وهذه حالة الكفّار مع أصنامهم، ومع عيسى والملائكة، ولا يفيدكم اعتقاد تبليغ الغائب والميت، كما لا يفيد الكفار اعتقاد حياة تلك الأحجار؛ لأن كلًّا منهما وإن كان ممكنًا في القدرة إلا أنه مِن خَرْق العادة، وما كان من خَرْق العادة لم يَسُغ الاستناد إليه إلا أن يخرقها بالفعل بأن يصير مُشاهَدًا أو نحوه، كأن يُحيي الله ميتًا بالفعل. وعليه بنى بعضُ العلماء خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحاب قليب بدر، قالوا: إن الله تعالى ردّ عليهم أرواحهم وأعْلَمَ نبيَّه بذلك فخاطبهم.