للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدلّ على جواز وضع الجريد في الجملة (١).

وهذا وهمٌ ظاهرٌ، ما كان على صاحبه إلا أن ينظر ما في ذِكْر البخاري بعد هذا الأثر، وهذه عبارته بعد قوله: "حتى يجاوزه": "وقال عثمان بن حكيم: أخذ بيدي خارجةُ، فأجلسني على قبر، وأخبرني عن عمّه يزيد بن ثابت قال: إنما كُرِه ذلك لمن أحدث عليه.

وقال نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما يجلس على القبور". اهـ .

فواضح جدًّا أنَّ البخاري إنما ذكر هذه الآثار لدلالتها، [ص ٩٥] وفهم من هذا الأثر أن خارجة ذكره ــ كالذي بعده ــ مستدلًّا على جواز الجلوس على القبر: أنهم كانوا يتواثبون على قبر عثمان بن مظعون، أي: ولم ينههم من رآهم من الصحابة، مع أنهم غلمان شُبَّان، أي: مميزون بحيث ينبغي زجرهم عما يخالف الآداب الشرعية.

وهذا تقريرٌ للاستدلال، أي: لأنهم لو كانوا صغارًا جدًّا، يحتمل أن من يراهم من الصحابة يعرض عنهم، لأنهم لم يبلغوا حدَّ التمييز، فأما بعد بلوغ حدّ التمييز فإنه يبعد أن يراهم أحدٌ، ويسكت عنهم.

فأما إيراد البخاري هذه الآثار في باب الجريد على القبر، فلأنه ــ والله أعلم ــ لم يصحَّ على شرطه حديثٌ (٢) في الجلوس على القبر، فرأى أن وضع الجريد على القبر يدل على جواز الجلوس؛ لأن الجلوس هو عبارة


(١) لعل المؤلف قصد الحافظ في "فتح الباري": (٣/ ٢٦٥) إذ قال: "ومناسبته من وجه أن وضع الجريد على القبر يرشد إلى جواز وضع ما يرتفع به ظهر القبر عن الأرض" اهـ .
(٢) تحتمل في الأصل: "حديثها"، والمثبت أصح.