للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا، مع أن قولهم معارضٌ بقول صحابة آخرين، كعَمْرو بن حزم.

وقد يتأول الأولون حديث عَمْرو بن حزم بأن يقال: لعل المراد [ص ١٠١] بصاحب القبر فيه وليّ المدفون، فإنه قد يتأذَّى من جلوس الأجنبي على قبر ميِّته، فيكون النهي إذًا لأجل تأذِّي الحي، لا لأجل القبر.

ويُجاب عن هذا: بأنه خلاف الظاهر، مع أن القبور إنما كانت في ذلك العهد في غير الملك.

وعليه، فإن كان تأذي الولي بمجرد أنه يرى أن قبر مَيِّته، كالمستحق له، فلا عبرة بذلك؛ لأن الاستحقاق إنما هو للميت، بالنظر لباطن الحفرة، فأما ظاهرها فإنه باقٍ على الإباحة على قضية مذهبكم.

وإن كان لظنه أن في الاتكاء انتهاكًا لحرمة الميت، أو أنه يتأذى بذلك، فإما أن يكون ظنه خطأً، فلا عبرة به، وكان الأولى أن يبين الحال للأولياء بأن ذلك الظن باطل، مع أنكم لم تقيدوا الإباحة بما إذا لم يتأذَّ الحي، ولا نُقِل عمن كان يرى الإباحة من السلف ما يدل على هذا القيد.

وإما أن يكون صوابًا، فيلزم أن يكون الاتكاء منهيًّا عنه لذاته، فرجعنا إلى المعنى الظاهر، فلم يبق فائدة لهذا التأويل، إلا تأكيد النهي، لدلالته على أن في الاتكاء إيذاء الحي والميت.

وقد يتأولونه أيضًا بأنه لعله كان القبر قبرًا لبعض أقارب عَمْرو، فاتكأ عليه يبكي عليه، فيكون إيذاؤه للميت بالبكاء عليه، لما ورد "أن الميت يعذَّب ببكاء أهله" (١).


(١) أخرجه البخاري رقم (١٢٩٠)، ومسلم رقم (٩٢٧) من حديث عمر. وأخرجه البخاري رقم (١٢٨٦)، ومسلم رقم (٩٢٨) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.