والجواب: أن هذا خلاف الظاهر، فقول عَمْرو بن حزم:"على قبر" يدل أنه قبر مُطلق ليس له مزية تناسب النهي عن الاتكاء، ودعوى خلاف ذلك تمحُّل لا وجه له.
فإن قيل: يدلّ عليه ذهاب بعض الصحابة إلى جواز الجلوس المطلق، وتقييد النهي عن الجلوس بأن يكون لقضاء الحاجة.
قلت: كل هذا بعيد.
أما الأول؛ فلأننا متعبَّدون بظاهر ما بلغنا عن الشارع، لا ندعه إلا إذا بلغنا عن الشارع ما يخالفه، وقول بعض الصحابة ليس قولًا للشارع، فإنه قد يخفى عليهم الدليل، فيجتهدون ويخطئون، مع أن قولهم معارض بقول غيرهم من الصحابة كما مر. [ص ١٠٢] ولم يقل أحدٌ: إن ذهاب بعض الصحابة إلى حكمٍ يوجب تأويل ما يخالفه مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما الثاني؛ فلأن التقييد إنما ورد في التعليق على إثم خاصٍّ، فغايته أن يفهم أن ذلك الإثم بخصوصه لا يكون مع مطلق الجلوس.
فأما أن يفهم عدم الإثم أصلًا فلا، مع أن دلالة حديث عَمْرو بن حزم منطوق، وهو مقدَّم على المفهوم مطلقًا.
وتأول بعض الأجلة (١) الجلوس المنهي عنه، بالجلوس للاستشفاع بصاحب القبر، والسؤال منه. والكلامُ عليه يعلم مما قبله، مع أن ظاهر الأدلة ولاسيما حديث عَمْرو بن حزم الإطلاق. والله أعلم.
(١) جاء في بعض مسوّدات المؤلف الإشارة إلى أن قائل ذلك أحد المعاصرين.