للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم اختلف الجمهور؛ فقال بعضهم: النهي للتحريم. وقال آخرون: بل هو للكراهية.

احتج الأولون: بأن الأصل في النهي التحريم، ولا صارفَ عنه.

ولم يأت الآخرون بشيءٍ، إلا أنهم ربما (١) ذكروا ما تمسَّك به القائلون بالإباحة، وقد مرَّ الكلام عليه.

قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (٢): " (وأن يقعد عليه) فيه دليلٌ على تحريم القعود على القبر، وإليه ذهب الجمهور ... " إلخ.

وقال النووي في "شرح مسلم" (٣): "وفي هذا الحديث كراهية تجصيص القبر والبناء عليه، وتحريم القعود، والمراد بالقعود: الجلوس عليه، هذا مذهب الشافعي، وجمهور العلماء ... قال أصحابنا: تجصيص القبر مكروه، والقعود عليه حرام، وكذا الاستناد إليه، والاتكاء عليه ... " إلخ.

وتُعقِّب بأن الذي عليه الشافعي والجمهور كراهة ذلك تنزيهًا، وقد يُناقَش ما ذكره النووي رحمه الله بأنه يلزمه الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ النهي، [ص ١٠٣] وذلك أن كون النهي على حقيقته ــ وهي التحريم ــ تقتضي حُرمة البناء والتجصيص والقعود، فالقول به في بعضها دون بعض حملٌ للكلمة على الحقيقة والمجاز معًا.

واختيار جوازه أو القول بأن هذا ليس منه، بل من عموم المجاز. يردُّه أنه يحتاج إلى دليل، وإلا فالمجاز البسيط أولى منه، فضلًا عن الحقيقة.


(١) الأصل: "ربهم" ولعلها ما أثبت، أو تكرر قول المؤلف "أنهم".
(٢) (٥/ ١٦٩ ــ ت طارق عوض).
(٣) (٧/ ٣٧).