للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفريق الآخر قالوا: بل نبني مسجدًا يكون جداره سادًّا لباب الكهف.

[ص ١١٤] إذا تقرر هذا، فقد اختلف المفسرون مَن المحمودُ من الفريقين؟

وقبل أن نفيض في ذلك ينبغي أن تعلم أنه ليس بيدنا دليلٌ صحيحٌ عن أن الملك كان من أهل الحق، بل ولا على أن القوم الذي أعثروا على الفتية كان بعضهم كفارًا كفرًا صريحًا، وإنما في الآية قوله تعالى: {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا}.

وهذا ليس بصريح الدلالة على أن فيهم من شك، فضلًا عن الدلالة على أن فيهم من يكذب، وقد قال الله عزَّ وجلّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ ... ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: ٩٤ - ٩٧].

نعم، الظاهر من إظهار الله عزَّ وجلّ لتلك الآية أن يكون في أولئك القوم من يخالجه الشك في البعث، هذا أقصى ما تدل عليه الآية.

إذا علمت هذا، فأصغ لما يَرِدُ عليك:

فقال بعض المفسرين: الفريق الصالح هو الثاني، بدليل عزمهم على اتخاذ المسجد.

وفي هذا الاستدلال نظر؛ لأنه لم يثبت لدينا أن الفريقين كان أحدُهما مؤمنين، والآخرُ كفارًا مصرِّحين بالكفر حتى ينتفي عنهم العزم على اتخاذ المسجد، فقد يكون الفريقان كلاهما من المسلمين، ولكن أحدهما أهل علم وهدى، والآخر أهل جهل وضلال.