للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما التنبيه الموعود؛ فهو على أوجه: مصحوبٍ بالآية نفسها، وواقعٍ في محلٍّ آخر من القرآن، وواقعٍ في السنة.

فأما الذي في الآية، فبيانه: أن الله عزَّ وجلّ قال: {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ}، فدل على تنازعٍ كان بين القوم في أمر الفتية.

ثم قال تعالى: {فَقَالُوا} فدل لوجود الفاء أن هذا بيانٌ وتفصيلٌ للتنازع المجمل قبل، كما تقول: اختلف الأئمة في كذا، فقال فلانٌ كذا، وقال فلانٌ كذا ... إلخ.

ثم إن جُعِلت الواو للجميع بناءً على الظاهر، ففي الكلام حذفٌ لا يتحقق التنازع الذي صرح به في الآية، وقام الدليل على أن ما بعد الفاء بيانٌ له، إلا بتقديره، كأنهم (١) قال: فقالوا جميعًا: ابنوا عليهم بنيانًا ربهم أعلم بهم. ثم قال أحد الفريقين: لا تزيدوا شيئًا غير البنيان مِن مسجدٍ وغيره= {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا ... } إلخ.

فاتفق القوم أجمعون على بناء بنيان لسَتْر جثث الفتية، وتنازعوا في بناء المسجد.

وإذا جُعِلت الواو لأحد الفريقين أطلقت بلا تأويل، وصحَّ مجيء الضمير مع عدم تقدّم مرجع له؛ لتقدم ما يدل عليه، وهو التنازع الدال على افتراقهم، فكأنه قال: "ففريقٌ منهم قالوا ... " ففي الكلام إيهامٌ، أي: أن القائلين هم الجميع.


(١) كذا ولعلها: "كأنه".