للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا جعلتها لأحد الفريقين بتأويل، أي: أنها عائدةٌ صناعةً إلى القوم جميعًا، ولكن لا على أنهم قالوا ذلك كلهم حقيقةً، بل على إقامة القائلين مُقام الجميع، فكأن القوم كلهم قالوا ذلك.

فأطلق على الفريق الأول الضمير الذي ظاهره أنه للجميع، لإقامة ذلك الفريق مقام الجميع، كأن الفريق الثاني لا وجود له.

والثاني أرجح؛ لما تقدم أن الفاء تدل على أن ما بعدها تفصيلٌ للتنازع، فلزم أن يكون مدخولها مما وقع فيه التنازع، وهذا إنما يتم على الثاني.

وأيضًا المجاز والإيهام على المعنى الذي قدمناه أبلغ من الحذف.

وأيضًا يؤيده قوله: {ابْنُوا} بالخطاب، ولو كان القائلون هم الجميع، لكان الظاهر أن يقال: "نبني" أو نحوه.

إذا تقرر هذا فأي الفريقين المؤمنون؟ فإن المفسرين اختلفوا في ذلك، كما سيأتي نقل كلامهم إن شاء الله (١).

فذهب بعضُهم إلى أن الغالبين هم المؤمنون، بناءً على عزمهم على اتخاذ المسجد، وعلى أخبارٍ مأثورة عمَّن قبلنا.

أما نحن فنقول: إن مجرَّد العزم على اتخاذ المسجد لا يكفي، بل ربما كان كفرًا كما ذكره الله عزَّ وجلّ في أهل مسجد الضرار، وربما فعله المتدينون جهلًا، وهو حرامٌ كبنائه في غير المِلك، أو في طريق عامة، أو نحو ذلك.


(١) لم يذكر المؤلف في هذه النسخة اختلاف المفسرين الذي وعد به. وذكر طرفًا منه في النسخة الأخرى في آخرها (ص ١٣١ وما بعدها). وانظر "تفسير الطبري": (١٥/ ٢١٧)، و"الدر المنثور": (٤/ ٣٩٢)، و"تفسير ابن كثير": (٥/ ٢١٥٢).