وأما الأخبار المأثورة؛ فإن صحَّ شيءٌ منها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نظرنا فيه، وفي الأدلة المخالفة، وأخذنا بالأحسن كما أمرنا عزَّ وجلّ.
وإن كانت عن غيره من أئمة أمته، نظرنا دليلهم، ورجحنا.
وإن كانت عن أهل الكتاب، لم نعبأ بها، فقد أُمرنا أن لا نصدّقهم في شيءٍ، وخاصة في هذه القصة نفسها، قال الله عزَّ وجلّ:{وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ}[الكهف: ٢٢] أي: الفتية {مِنْهُمْ} أي: أهل الكتاب {أَحَدًا}.
أما ورود شيءٍ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يبلغنا، وأما عن بعض الأئمة، فنعم، ولكن لم نعلم لهم دليلًا إلا عزم الفريق الثاني على اتخاذ المسجد، وتقرر ما فيه، ومع ذلك ننظر في أدلة القول الآخر.
فننظر أولًا في الآية.
فنجد أولًا: إطلاق ضمير الجميع على الفريق الأول، أو إيهام ذلك، يدل أن له مزية استحق بها أن يُقام مُقام الجميع، وهذه المزية ليست الغلبة؛ لأن الله عزَّ وجلّ أثبتها للفريق الثاني، فلم يبق هناك ما يصلح لكونه مزية بهذه المثابة إلا العلم والدين.
ونجد ثانيًا: أن الله عزَّ وجلّ حكى عن الفريق الأول قولهم: {رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ}. وهذه كلمة جليلةٌ، تدل على علم قائلها ودينه.
ونجد ثالثًا: تقديم الله عزَّ وجلّ للفريق الأول، والتقديم يُشْعِر بمزية للمقدم، وأقرب ما يتصور من المزايا: العلم والدين.
ونجد رابعًا: قوله عزَّ وجلّ في الفريق الثاني: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى