للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمْرِهِمْ} فأَشْعَر أن الحامل لهم على هذا العزم هو الغَلَبة، على ما قرره علماء البيان، في باب المسند إليه في مجيئه موصولًا؛ للإيماء إلى وجه بناء الخبر (١).

وقرّره أهل الأصول (٢): أن إيقاع الحكم على المشتق يؤذن بِعِلِّية ما منه الاشتقاق، وهو في الموصول أوضح.

والغالب أن الغلبة تكون سببًا للمعصية، والغالبُ في الأمم السابقة: أن الغلبةَ إنما تكون للضالين، والغالبُ في الأمم السابقة أيضًا: التكذيب بالآيات، والضلال فيها نوع من التكذيب بها.

قال الله عزَّ وجلّ: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣]. وقال تبارك وتعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: ١٠٢].

وعلى كل حال، فوصف هؤلاء بالغَلَبة، مع وصف مقابليهم بما تقدم، يُشْعر بأنهم ذوو جهل وغلو، واتخاذ المسجد لا ينافي الجهل والغلو، كما لا يخفى.

وننظر ثانيًا في غير هذه الآية من القرآن؛ فنجد قوله عزَّ وجلّ: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: ١٨]. تدل أنه لا ينبغي بناء مسجد


(١) انظر "التلخيص ــ شرح البرقوقي" (ص ٦٠)، و"المطوّل شرح التلخيص" (ص ٧٤).
(٢) انظر "البحر المحيط": (٥/ ٢٠١) للزركشي، و"التحبير شرح التحرير": (٧/ ٣٣٤٩ - ٣٣٥٠) للمرداوي.