للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: التمسُّك بعمومات خارجة عن محلّ النزاع، كالأمر بحب الصالحين واحترامهم.

وجوابه: أن هذا الإطلاق مقيَّد بما أذن به الشرع، فلا يقول مسلم: إنه يستحب [ص ٧١] حبهم واحترامهم في معصية الله تعالى، والقدر المأذون فيه إنما يتميز عن غيره بكتاب الله تعالى وسنة رسوله، فلا يكفي هذا العموم ما لم يثبت دليل الخصوص، مع أن حالة الميت غيبٌ لا يُدْرَى ما ينفعه مما لا ينفعه، وإنما يكون التمييز بإخبار الشرع، وقد دل الشرع أن فعل محبي الميت ما ينكره الشرع يضرُّ الميت لا ينفعه، فثبت في الأحاديث الصحيحة: "أن الميت يُعَذَّب ببكاء أهله" (١).

ومنها: القياس على ما ثبت من احترام القبور، بالنهي عن الجلوس إليها ووطئها، والمشي بينها بالنعال، وغير ذلك.

وهذا قياس باطل، والنصوص تصادمه، وفوق هذا: فإنّ أكثر القبور المشيَّدة قد أَرِمت جثثها، فسقطت حُرْمتها.

هذا، [ص ٧٢] ولولا أن يطالع رسالتي هذه جاهل بحقيقة الدين، قد عَلِق بنفسه شيءٌ من هذه الشبه، لما ذكرتها، فمعذرة إلى القراء.

وأما من كان عنده شيءٌ من الفقه، فإنه يسلِّم بحرمة البناء والرفع والتجصيص ونحوه في غير الملك، ولكنه يقتصر في الملك على الكراهية قائلًا: إن الأصل المقرر أن للإنسان أن يصنع في ملكه ما يشاء، ولكن لما كان البناء ونحوه خلاف السنة، وفيه إضاعة مال، وتشييد ما هو محلٌّ للبِلى،


(١) تقدم تخريجه في (المُبيّضة) (ص ١١٧).