فعادوا يفرضون فرضًا آخر، وهو أن الحياة جاءت إلى الأرض من كوكب آخر.
فيقال لهم: تلك المادة كيف وُجدت؟ وتلك القوى التي لها كيف حصلت؟ ثم تلك الحياة ما حقيقتها؟ وأنى جاءت؟ وما بال الحيوانات الدنيئة لا تزال موجودة بكثرة؟ فهل كان لبعضها تلك الإرادة الخارقة حتى رقَّتها إلى الإنسانية وبقي بعضها على تلك الحال؟ وإن كانت الحياة جاءت من كوكب آخر فهل جاءت بأبسط صورها ــ أي: الحيوانات الدنيئة ــ ثم ترقَّت في الأرض؟ لا يمكنُ هذا الفرض؛ فإنه يعود الإشكال. أم جاءت في صورة راقية، فإني وجدتُ في الأرض الحيوانات التي أدنى من ذلك النوع، أم جاءت بِعِدّة أنواع منها الدنيء ومنها الراقي؟ وكيف كان مجيئها؟ ثم أيّ حاجةٍ بالحيوانات الدنيئة إلى بقاء نسلها تلك الحاجة الشديدة التي تقتضي الإرادة الشديدة؟ ونحن نجد كثيرًا من أفراد أرقى الحيوان ــ وهو الإنسان ــ لا همَّ لهم في الولد ألبتة، وإنما يقارب الذكر الأنثى للشهوة، فإن كان لهما همٌّ في الولد فطلبًا للذة بمحبة الولد، فإن زاد عن ذلك فلكي يخدمهما الولد.
ونجد الحيوانات الدنيئة ــ كما قالوه ــ يكون آخر عهد الأمّ بولدها حين تضعه، فإن عاشت لم تعد تعرفه، ونجد بعض الحيوانات التي هي أرقى من ذلك تربي الأم ولدها بالشفقة المغروزة [ص ٣٣] فيها، فإذا قوي طردته ولم تعد تعرفه، كالحمام وغيرها من الطير.
ثم قد كان الظاهر أن تلك الإرادة تترقَّى بترقِّي الحيوان، فتكون أرقى ما تكون في الإنسان، أو على الأقل تبقى كما كانت، ونحن نجد الأمر بالعكس، فالإنسان لا يستطيع بإرادته أن يغير شيئًا من تركيب جسمه ولا نسله، فقد