للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمر عدمي، كما هو المنقول عن إطباق المتكلمين، ولعل منهم من لم يخطر بباله؛ لأننا إذا كنا في حجرة ثم سألنا بعض العقلاء الذين معنا: أي شيء موجود في هذه الحجرة؟ لذهب يعدد لنا الأجسام التي فيها، فإن دقَّق عدَّ فيها الهواء، فأما أن يعد الفضاء فلا، إلا أن يكون قد سمع قول من يقول: إن الفضاء أمر وجودي، فقلَّده.

فذكرتُ له ما حضرني، ثم قلت: ويقال لك: هو مخالف للنصوص، كقول الله عز وجل: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٠٢] ونحوها.

فقال: أقول: إن هذا عام يخصه العقل، فإن العقل العادي إما أن لا يعد الفضاء شيئًا موجودًا، كما تقدم في المثال آنفًا، وإما أن يعلم أنه لا يتصور عدمه، وهذا التأويل أقرب بألف درجة من تأويلات من يقول: إن الله عز وجل ليس في جهة، مع أني أدعي إجماع السلف على القول بالجهة، وأذكر من نصوص الكتاب والسنة في إثباتها أضعاف أضعاف ما يمكن أن تذكره في أنه خالق كل شيء، وأن كل ما سواه حادث.

وهذا الإجماع والنصوص نص في محل النزاع ــ وهو ثبوت الجهة ــ فأما ذاك الإجماع وتلك النصوص فإنما يمكن تناولها للفضاء على وجه العموم.

فقلت له: أتعتقد هذا؟

قال: لا، ولكني أراه أقرب إلى العقل والدين من القول بأن الله موجود لا في جهة، وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه، وأنه خلق العالم لا في ذاته ولا خارجًا عنه.