للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد تكلَّم أهلُ اللُّغة والعربية على "أرأيت كذا" في نحو قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: ٦٣].

وتحرير الكلام في ذلك: أنَّ نحو {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} يُؤتى بها مقدِّمة للاستفهام الثاني، لِيُحضِر المخاطَبُ الحَرْثَ في ذهنه، ويترقَّب استفهامًا مهمًّا يتعلَّق بالحَرْث؛ فلا بد أن يكون الاستفهام الثاني يتعلَّق بمفعول (رأيت)، وعلى ذلك جاء القرآن، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} إلى أن قال: {(٦٢) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} إلى أن قال: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} إلى أن قال: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} [الواقعة: ٥٨ ــ ٧٢].

إذن فقوله في آيات النجم: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى} [النجم: ٢١] لا بد أن يكون متعلقًا باللَّات والعُزَّى ومناة.

وقد مشى ابن جرير على هذا، فقال: "سمَّى المشركون أوثانهم بأسماء الله تعالى ذكره وتقدَّست أسماؤه، فقالوا من (الله): اللات، ومن (العزيز): العُزَّى، وزعموا أنَّهن بنات الله، تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا، فقال جل ثناؤه لهم: أفرأيتم أيها الزِّاعمون أنَّ اللَّات والعُزَّى ومناة بنات الله، ألكم الذكر ... " (١).

أقول: لعمر الله! لقد جرى على القاعدة التي سبق تحريرها، ولقد صدق


(١) "تفسير ابن جرير" ج ٢٧ ص ٣١ ــ ٣٢. [المؤلف].