أنَّ المشركين كانوا يطلقون (اللَّات)، و (العُزَّى)، و (مناة) على تلك الأوثان، ولقد صدق أنَّهم كانوا يقولون: اللَّات والعُزَّى ومناة بناتُ الله.
ولكن الشأن في المراد باللَّات والعُزَّى ومناة في الآيات، فإن كانت هي تلك الجمادات فلم يكونوا يقولون: إنَّها بنات الله، ولو قالوا ذلك لكانوا مجانين ألبتة، لا يستحقُّون أن يخاطَبوا ولا يُرسَل إليهم رسول، أو لو قالوا ذلك لكثر تبكيتهم في القرآن أكثر من تبكيتهم على قولهم: الملائكة بنات الله.
ولو كان المراد ذلك كان حقُّ الكلام أن يُقال: ألكم الأحياء وله الجمادات؟ أو نحو ذلك. مع أنَّه لا يمكن أنَّ يعتقدوا أن الجمادات إناث على الحقيقة.
فغاية الأمر أن يكونوا أنَّثوا اللَّفظ، ولا بدع في تسمية ما ينسب إلى الله تعالى باسم مؤنَّث، كالكعبة.
وفوق ذلك، فسياق الآيات يخالف هذا المعنى.
وأمَّا سائر المفسِّرين فاضطرب كلامهم اضطرابًا شديدًا؛ لعلمهم أنَّهم لم يكونوا يزعمون أنَّ تلك الجمادات بنات الله.
وأقرب ما رأيته: ما أخرجه ابن جرير عن ابن زيد، قال:"جعلوا لله بناتٍ، وجعلوا الملائكة لله بنات، وعبدوهم. وقرأ: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذَا بُشِّرَ} الآية [الزخرف: ١٦ ــ ١٧]. وقرأ:{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} الآية [النحل: ٥٧]. وقرأ:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ}[النجم: ٢٣] "(١).