للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد أرشدك ابن زيد إلى أن هذه الآيات كنظائرها الكثيرة في القرآن؛ إنَّما هي في قولهم: لله بنات , وقولهم: الملائكة بنات الله.

وإيضاح ذلك: أنَّه كما سبق عن ابن عباسٍ أنَّ قوم نوح جعلوا تماثيل لموتاهم، وسمّوها بأسماء أولئك الموتى، وكما جَرَت العادة إلى الآن أنَّه يطلق على التمثال اسم من جُعِلَ تمثالًا له= فكذلك صَنَع العرب، اخترعوا أسماء لبعض الإناث الخياليَّات التي زعموا أنَّها بنات الله، وأنَّها الملائكة، واشتقُّوها ــ كما قال ابن جرير ــ من أسماء الله تعالى، فأصل اللات: "اللاهة"، كما ذكره ابن جرير أيضًا. وبيَّنه أهل اللُّغة بأنَّه حُذِفت منه الهاء الأصلية، كما قالوا: شاة، وأصلها: "شاهة"، بدليل جمعها على: "شياه"= فقالوا: "اللَّات".

ثم منهم من يقف عليها بالهاء ــ كما هو الأصل في هاء التأنيث ــ، كما يقال: (شاه)، والأكثرون يقفون عليها بالتاء، كأنَّه حَذَرًا من اشتباه (اللَّات) لو وُقِف عليها بالهاء بالاسم الكريم.

فتفسير الآيات على هذا: أرأيتم تلك الإناث الخياليات التي تزعمونها بنات الله، ألكم الذكر، وله هي؟ ! وإنَّما قال: (الأنثى)، فوضع الظاهر موضع الضمير للتَّنصيص على الشَّناعة.

ثم قال تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} أي: لا وجود لها ألبتَّة، وإنَّما يوجد أسماؤها فقط، كما يقول أحدنا: ما العنقاء إلَّا اسمٌ. وهذا لا يتأتّى في الأصنام؛ لأنَّها موجودةٌ بذواتها.

ثم قدّر أنهم سيقولون: "هي الملائكة، والملائكة موجودون"؛ فقال: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ ... } الآية. أي: والملائكة أنفسهم لا يستحقُّون العبادة؛ لأنَّهم