إلينا وبَلَغنا عن حضور الحكم. كيف والبائع لم نحكم عليه إلا بإصراره على السكوت، فأيَّ وقتٍ اختار الردَّ وتحمَّل المؤن؟ ! إن كان ذلك مِن بَعْدُ فلا بأس.
وقولكم:"إني أُلقّن البائع إنكار أن السلعة عينُ مالِه". فأنا لستُ بمتحاكَمٍ إليَّ بعدُ حتى يَحْرُم عليَّ التلقينُ.
وأمّا كوني أجادل عن رجل من تجار ميدي، فلا والله، إنّما أجادل عن الشرع الشريف، والحقّ المنيف، والدين الحنيف، الذي اتخذه الناس ألعوبةً لمّا قلَّ أهلُه، فلم يبق منهم إلا إمام الحقّ، وهو مشغول بحفظ الثغور، وإدارة شؤون الجمهور، فبقينا معشر الفقهاء نتلاعب بالدين، تارةً نقلّدُ على غير بصيرة، وتارةً نركبُ متنَ عمياء في دعاوي الاجتهاد الخطيرة.
واستشهادك ببيت دُرَيد بن الصمّة:
وما أنا إلا من غَزيَّة ... إلخ.
في غير محلّه، فإنّما يَسْتَشِهدُ به المقلِّدُ اللازم للتقليد، العارف به؛ فيقول: ما أنا إلا مقلّد فإن رَشَد مقلَّدي رشدتُ، وإن غوى غويتُ، على أنَّ المقلَّدَ إذا غوى فإنَّما غيُّه خطأ مجتهدٍ، وهو مثابٌ، وليس على مثلي ومثلك في تقليده إثمٌ لقصورنا عن مرتبة الاجتهاد، فاللازمُ علينا شرعًا اتباعُ ما قلّدناه.
وأمّا البيتان اليتيمان اللذان أنشأتهما، فنعمّا هما، سالمان معنىً مستقيمان وزنًا، لا تجدُ فيهما لحنًا، ولعلك قد سمعتَ بمثل الفرزدق الذي ضربَه في الشعر بقوله: كان الشعر جَمَلاً بازلاً فنُحِرَ ... إلخ.