للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا فرق في كون الخضوع طلبًا للنفع الغيبي عبادةً بين أن يكون النفع مطلوبًا من المخضوع له نفسه، أم من غيره بواسطة شفاعته، أم من غيره بسبب الخضوع له.

فمن الحقِّ في الصورة الأولى: التضرُّعُ إلى الله عزَّ وجلَّ طلبًا للنفع منه. ومنه في الثانية: القدرُ الذي عليه سلطانٌ من الله عزَّ وجلَّ من احترام الأنبياء والصالحين. ومنه في الثالثة: القدرُ الذي عليه سلطان من احترام الكعبة والحجر الأسود.

ومن الباطل في الصورة الأولى: التضرعُ إلى الملائكة لينفعوا، على زعم أنهم يفعلون (١) ما يشاؤون. ومنه في الثانية: التضرعُ إليهم ليشفعوا كما كان مشركو العرب يصنعونه. ومنه في الثالثة: تعظيم الأصنام.

وكل ما ادُّعِي له أو اعتُقِد أنه يستحق أن يُعبد، فقد ادُّعِي له أو اعتُقِد أنه إله. فالإله هو الذي يستحق أنَ يُعبَد. فإن كان استحقاقه حقًّا فهو إله حق. وهو الله وحده لا شريك له. وإن كان استحقاقه باطلًا، فهو إله باطل.

وكلُّ مَن عبد شيئًا من دون الله، أي خضع له طلبًا لنفع غيبي بدون سلطان من الله تبارك وتعالى، فقد اتخذه إلهًا وسوَّاه بربِّ العالمين في استحقاق أن يُعبَد. وذلك أنَّ العقولَ والفِطَر كافيةٌ في العلم بأنَّ الله تبارك وتعالى مستحقٌّ أن يُخضع له طلبًا للنفع الغيبي، فمن ادَّعى لغيره ذلك بغير سلطان من الله تعالى، فلابدَّ أن يكون مستندًا إلى الكذب على العقل، ولو بواسطة أو وسائط. فكأنه يقول: إن العقل كافٍ في العلم بأنَّ هذا الروح أو


(١) في الأصل: "ما يفعلون"، سهو.