للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتابعين في "رسالة العبادة" (١). فالقوم أطاعوا أحبارهم ورهبانهم في

التحريم والتحليل، وعدُّوا ذلك دينًا ينفعهم الله تعالى به ويجازيهم بحسبه. فتلك الطاعةُ خضوعٌ يُطلَب به نفعٌ غيبي، ولم ينزل الله تعالى به سلطانًا، فهو عبادة لغيره.

وقد خفي هذا المعنى على عدي بن حاتم رضي الله عنه حتى فسَّره له النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. ثم خفي هذا المعنى على بعض رواة هذا الحديث نفسه حسبما رواه الترمذي (٢) بلفظ: "أما، إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلُّوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرَّموه".

وأخبر الله تعالى عن المشركين بأنهم يعبدون الشيطان. ولذلك وجهان.

فأما الوجه الأول، فهو طاعتهم إياه فيما يوسوس لهم به من شرع الدين، واتخاذهم ذلك دينًا يرجون به النفع من الله عزَّ وجلَّ. وتلك عبادة، ولا سلطان لهم، فهي عبادة لغير الله تعالى.

وقد خفي هذا عن الخوارج، فتوهموا أنَّ طاعة الشيطان شرك مطلقًا، فحكموا على عصاة المسلمين بأنهم مشركون، مع أنَّ عصاة المسلمين وإن أطاعوا الشيطان فلم يتخذوا ما وسوس لهم به دينًا، وإنما أطاعوا لهوى أنفسهم عالمين معترفين بأن ذلك معصية لله عزَّ وجلَّ يخافون عقابه عليها، فلم يطلبوا بتلك الطاعة نفعًا غيبيًّا.

وخفي كذلك على أكثر المفسِّرين، فقالوا: إنَّ ما جاء في القرآن من ذكر


(١) رسالة "العبادة" (ص ٦٥٤ وما بعدها).
(٢) برقم (٣٠٩٥).