للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إتمامها ونشرها. والحمد لله أولًا وآخرًا.

[ل ٦١/ب] وإذ قد اتضح إن شاء الله معنى العبادة، فليتمَّمْ تفسيرُ الجملة. فاعلم أنَّ فيها احتمالات، الصحيح منها أنها إنشائية، أريد بها إنشاء معنى يوجد (١) بهذه العبارة، وذاك حقيقة الإنشاء. وذلك أن المؤمن إذا تلا من أول السورة إلى هنا متدبِّرًا حق التدبر امتلأ قلبُه بتعظيم ربِّه عزَّ وجلَّ، واستغرق في ذلك حتى كأنه يرى الأمر مشاهدةً، وانجلى له حقَّ الانجلاء أنه لا يستحق العبادة غيره تعالى، فيقبل (٢) القلب إلى الربِّ عزَّ وجلَّ مصدِّقًا ما قام بالقلب وسرى إلى الجوارح، فينشئها بهذه الجملة. فتدل هذه الجملة أولًا وبالذات على العبادة المنشأة بها، ثم تدلُّ بمعونة ما تقدم على العبادة القائمة بالقلب ثم بالجوارح، وتدلُّ بواسطةِ أن المقتضي لما ذكر هو ما تقدَّم من أول السورة إلى هنا، وهي حقائق ثابتة لا تحول ولا تزول، ولا تتغيَّر ولا تتبدَّل= على التزام التالي أن يعبد الله تعالى دون غيره في بقية عمره.

وبعد ما كتبتُ ما تقدَّم، أردتُ أن أنظر في وجه التعبير بلفظ الجمع، فرأيتُ ما قدَّمتُه هنا يرشد إلى نكتة لا بأس بذكرها. وهي أنه ــ كما تقدَّم ــ ورد الخضوعُ أولًا على القلب، ثم سرى إلى الجوارح، ثم تلاها اللسان، فأشير إلى ذلك بصيغة الجمع، حتى كأنَّ اللسان عبَّر عن نفسه وعن القلب والجوارح.

ونكتة أخرى، وهي أنَّ مِن شأن الإنسان المتواضع الذي يعرف قدر نفسه أنه إذا اتفق له ظهورٌ بمظهر يدلُّ على العظمة زاده ذلك خضوعًا في


(١) تكررت في الأصل.
(٢) قبل هذه الكلمة: "أن تعبد الله كأنك تراه". وقد نسي المؤلف رحمه الله أن يضرب عليها ضمن العبارة المضروب عليها.