للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم انفردت طائفة منهم لحفظ العقائد، وطائفة للفقه، وطائفة لحفظ

الحديث، إلى غير ذلك، فاقتصر أهل العقائد على ما اشتهر فيه الخلاف، فذكروا التوحيد في كتبهم، يعنون أنه ليس مع الله ربٌّ غيره قديم، وأهملوا مسألة العبادة لعدم اشتهار الخلاف فيها. وصرَّح بعضهم كالسعد التفتازاني بأنها مسألة شرعية (١)، يعني وهُم إنما يبحثون بالعقليات، فاتَّكلوا فيها على الفقهاء. والفقهاء يقولون: هذه أساس العقائد ورأس الإسلام، فيتَّكلون على علماء العقائد. وأما علماء التفسير وشُرَّاح الحديث فاتكالُهم أظهر.

وبعد هذا الاتكال صار من يبحث عن معنى لا إله إلا الله يراجع كتب العقائد، فيجد فيها الكلام على توحيد الربوبية، أي أنه ليس مع الله تعالى ربٌّ قديمٌ غيره. وقد عبَّروا عنها بقولهم: "الإله واحد، هو الله عزَّ وجلَّ، ويمتنع وجود إلهين أو أكثر"، أو نحو ذلك. فيظن هذا المسكين أنَّ معنى (لا إله إلا الله): لا واجب الوجود إلا الله، ثم يظن أن العبادة هي الخضوع والطاعة لمن يعتقد أنه واجب الوجود، إلى أمور أخرى قد شرحتُ بعضها في "رسالة العبادة" (٢).

والحاصل أنَّ ذلك الاستبعاد العقلي [ل ٦١/أ] في محلِّه، ولكن الغفلة واقعة يقينًا. وأظهر شواهدها: عباراتهم في تفسير العبادة، وقد رأيتها، ومن نظر وتدبَّر ازداد يقينًا. والشأن إنما هو في تحقيق ما غفل عنه، وقد ذكرتُ هنا ما تيسَّر، وإذا أذن الله تعالى فسترى كثيرًا من ذلك في مواضعه. وقد استوعبتُ أكثر ذلك في "رسالة العبادة" (٣)، أسأل الله تعالى من فضله تيسير


(١) انظر: "شرح المقاصد" (١/ ١٠).
(٢) رسالة "العبادة" (ص ٣٣٢ وما بعدها).
(٣) انظر رسالة "العبادة" (ص ٧٣١ وما بعدها).